الـحــِــداء ( من تراثنا )
بسم الله الرحمن الرحيم
مما نشر لي بالمجلات المتخصصة .
حـِـــداء ألآبار :
الحداء هو نوع من أنواع غناء العرب إلا أنه كان في بداية أمره ينحصر في الغناء للإبل في سيرها وفي مرعاها وعلى مشربها ، لذلك فقد كان الجز الأوفر والأشهر منه على الآبار حسبما أكده لنا الرواة وما أدركناه منه بأنفسنا. وإذا ما أردنا التحدث عن الحداء فإنه لا بد لنا من الرجوع إلى ما ذكره المسعودي رحمه الله عن الحداء وعن الغناء بغض النظر عن الشكوك المحيطة في صحة الخبر كالكثير غيره من الأخبار التي دونها لنا المؤرخون العرب عن مثل ذلك ؛ وذلك إما لجهل منهم أو لغاية في نفوس بعضهم أو يكون ذلك من رواتهم للسببين السابقين .
وهذا ليس مستبعد لمن رووا شعراً لآدم ولهابيل ولقابيل بل أن بعض رواة العرب ومؤرخيهم من روى شعراً فصيحاً للجن مع آدم عليه السلام .. ولا يفوتني هنا أن أبين أن المسعودي قد دوَّن ما ذكره هنا عن الحداء والغناء مستنداً على روايات منقطعة ولا شك في زعمها . لبعد زمن الحدث عن المحدث . ولقرب الحدث قياساً بتاريخ هذه الأمة الموغل في القدم ، أضف إلى ذلك أن الأمة العربية ليست معزولة عن العالم أو متخلفة بينهم ليحدث فيها مثل أمر الغناء عرضاً أو مصادفة مصادفة فيمكن حينها معرفة مبتدعه وزمن ابتداعه .
فالعرب كانوا في تاريخهم القديم بين أمم كبيرة ومتحضرة وقد كانوا بحكم توسط موطنهم في العالم القديم همزة وصل بين حضارات كثيرة وقد أثبتت لنا المكتشفات الأثرية والتاريخية بأن العرب لم يكونوا دون تلك الأمم تمدناً وتحضراً أضف إلى ذلك أن العربي قد عُرف بتميزه عن غيره من الأمم برقة الإحساس وفيض المشاعر وصدق العواطف ، فهو الواقف على الديار الباكي على الأطلال والعفيف إذا أحب والموفي إذا وعد الخطيب إذا حدَّث الشاعر إذا نظم الفارس الكريم الشجاع فهو بهذا وبكثير غيره من حميد الأخلاق يكون أقرب الناس إلى المعاني الإنسانية على مدى تاريخه المجيد ؛ ... ... لذلك فأنني أرى أن غناء العرب كان مذ كانوا وتطور حيث تطوروا .. .. لأن الفرح والسرور طبيعة من طبائع النفس البشرية والتعبير عنه بالغناء طبع قد تعارف عليه كافة البشر وألفوه منذ زمن لا يعلمه إلا الله تعالى : -
قال المسعودي : (1) وكان مضر بن نزار بن معد سقط من بعير في بعض أسفاره فانكسرت يده فجعل يقول :
يا يداه ، يا يداه .
وكان مكن أحسن الناس صوتاً فأستوسقت الإبل وطاب لها السير ؛ فأتخذ العرب حداء في رجز الشعر فجعلوا كلامه أول الحداء فمن قول الحادي :
يا هاديا يا هاديا ؛ و يا يداه يا يداه .
فكان الحداء أول السماع والترجيع في العرب .، ثم اشتق الغناء من الحداء ؛
أقــول : أن شروط صحة القصيدة العربية واجتهاد الشاعر في إيجاد جرس موسيقي في شعره يدل على أن الشعر
------ لم ينظم إلا ليغنى أو أنه لم ينظم إلا بغناء ثم أتى عليه حين فغني وألقي ؛ وهذا يوجب كون الحداء مشتق من الغناء وليس كما ذكر المسعودي ؛ وأما عن قول مضر بن نزار بن معد في خبره السالف وهو ما نسب إليه من قوله :
يا هاديا .. .. يا هاديا ، و يا يداه .. .. يا يداه ؛ فالجدير ذكره هنا أن أهل الجوف والمنطقة الشمالية قاطبة لا يزالون يقولون لاستئناسهم الناقة والإبل كافة :
يا دهي يا دهي .. .. دهي يا دهي .إلا أن ذلك لا يغير في الأمر شيء لأن كونها قبل المسعودي وبقاءها بعده لا يوجب صحة الرواية .
وأما حداء المتأخرين ومن عاصرناهم مع الإبل وعلى الآبار فله أنواع وأغراض عدة فمثلاً حداءهم للإبل في سيرها ، هو نوع منه لطيف يغنى بألحان عذبة شجية تستجيب له وتنشط ويتجدد به سيرها ولا أذكر من شعر هذا النوع من الحداء إلا بيت يقول قائله :
المقفي .. وأين أنا وإياه - - - - - - المقفي .. عيا وأنا أنهاه
وأما حداءهم على الآبار فهو نوعان ، شعر حداء وشعر رجز ؛ فأما شعر الحداء فيغنياه متلقيا الدلو أثناء انتظارهما لها من قاع البئر إلى حين الإمساك بها ومثاله قول الحادي :
أم السنام الشايح - - - - - توايقت للمايح
تحسب ولدها طايح .
وقوله :
وردن عشاير نوره - - - - - الهجل والمصروره
وقوله :
وردن من النوازي - - - - - من مرتع الجوازي
وقوله :
خِف العصا يا ضارب - - - - عن نسَّع الغوارب
وهو يغنى بلحن غير لحن الرجز ، وأما شعر الرجز فهو يخص المرحلة التي تلي تلقيهما الدلو أي منذ أخذهما بعراقيها حتى يفرغانها في الحوض ومثاله قول الحادي :
يا ويــل اللي ما هو تيح - - - - - إن صار الماء شلافيح
وقوله :
يا سعيد العبد غَنْ - - - - - حيهن من يوم جن
حي حلوات اللبن
وقوله :
اشربي لا تافرينه - - - - - - من قليب حافرينه
وقد تعددت أغراض شعر الحداء وتنوعت حتى شملت كل أغراض الشعر المعروفة كالمدح والهجاء والحماسة والفخر والغزل والوجد ومما يحضرني منه في المدح قول الحادي :
شايباً شيبه شباب - - - - - - حامياً تال الركاب
وقوله :
وركي لأبو لبيـــد - - - - - - اللي حيله ما يـبـيــــد
ومن ذلك قوله في الغزل والوجد :
مال عيني مالـهـا ؟ - - - - زايـداً همالها
كل ما شافت مليح - - - - - - - ماتبيه إلا لها
وشاعر حداء الآبار لا يكاد يخلي شعره من الفكاهة . بالطرفة ، والنادرة ، والملاحة للترفيه عن نفسه وعن نفوس معاونيه ولتجديد هممهم وهي الغاية من الحداء كله ومن ملح حداءهم قول الحادي :
العجوز العلهبي - - - - تمشي يمي وتحبي
وأنا أقول : إهبي إهبي
وقوله شايباً بيده عمود - - - - سـنَّد الوادي ينود
ومن الحداء حداءهم للإبل وهم على ظهور الخيل والنجائب ومثاله قوله :
عليك يالشقحاء الطيوح - - - - ياللي بالريش مُدَلله
تمهـلي وارعــي هــواك - - - واللي يـجـيــك نُذَلله
وهناك منه ما يخص طلاءهم للإبل ومن ذلك قول حاديهم :
ياذلك الله ما سمعت رغاها - - - - وأنا وحيداً عندكم وأطلاها
وفي هذا الشعر طلباً واضحاً من قائله لمساعدته على طلاءه إبله ممن قد يسمع حداءه وفي هذا المعنى قال غيره في الحداء :
عاون الله من يعين - - - وتنقطع كف اللعين
ولا يقول مثل ذلك إلا من كان بحاجة للعون والمساعدة على ما هو فيه من عمل ؛ والحديث عن الحداء وما فيه من فوائد يطول ويتشعب لو أردنا الاسترسال فيه لكثرة ما يكتنزه في شعره من فوائد لغوية وأدبية وجغرافية واجتماعية
ففيه الكثير من المفردات اللغوية النادرة التي قد لا نجدها إلا في أمهات كتب اللغة وكذلك يوجد فيه من المعاني الأدبية ما يضاهي بعضها ما في الشعر الفصيح من جودة وبلاغة ؛ كما يوجد في شعر الحداء ذكر لكثير من المواضع القديمة التي تحتاج إلى البحث والتحقيق كما ورد في بعض هذه الأشعار أسماء لقبائل عربية قديمة كقريش وبني لام وبني يهرف وبني القين وجديلة وبني عاملة وجهينة وغيرها .
وما وردت أسماء هذه القبائل ولا أسماء تلك المواضع إلا لأسباب يطول الحديث عنها وليس هذا موضعها ؛ وزبدة القول أن في هذا اللون من تراثنا العريق ما يثري الباحث والدارس بكثير من العلم والمعرفة عن جوانب كثيرة من تاريخ وحياة أسلافنا .
متمنياً أن يكون بما قدمت عن هذا اللون من تراثنا ما يكون فيه النفع والفائدة للجميع .
أخوكم / سليم بن دهيِّم البقاعين .
مما نشر لي بالمجلات المتخصصة .
حـِـــداء ألآبار :
الحداء هو نوع من أنواع غناء العرب إلا أنه كان في بداية أمره ينحصر في الغناء للإبل في سيرها وفي مرعاها وعلى مشربها ، لذلك فقد كان الجز الأوفر والأشهر منه على الآبار حسبما أكده لنا الرواة وما أدركناه منه بأنفسنا. وإذا ما أردنا التحدث عن الحداء فإنه لا بد لنا من الرجوع إلى ما ذكره المسعودي رحمه الله عن الحداء وعن الغناء بغض النظر عن الشكوك المحيطة في صحة الخبر كالكثير غيره من الأخبار التي دونها لنا المؤرخون العرب عن مثل ذلك ؛ وذلك إما لجهل منهم أو لغاية في نفوس بعضهم أو يكون ذلك من رواتهم للسببين السابقين .
وهذا ليس مستبعد لمن رووا شعراً لآدم ولهابيل ولقابيل بل أن بعض رواة العرب ومؤرخيهم من روى شعراً فصيحاً للجن مع آدم عليه السلام .. ولا يفوتني هنا أن أبين أن المسعودي قد دوَّن ما ذكره هنا عن الحداء والغناء مستنداً على روايات منقطعة ولا شك في زعمها . لبعد زمن الحدث عن المحدث . ولقرب الحدث قياساً بتاريخ هذه الأمة الموغل في القدم ، أضف إلى ذلك أن الأمة العربية ليست معزولة عن العالم أو متخلفة بينهم ليحدث فيها مثل أمر الغناء عرضاً أو مصادفة مصادفة فيمكن حينها معرفة مبتدعه وزمن ابتداعه .
فالعرب كانوا في تاريخهم القديم بين أمم كبيرة ومتحضرة وقد كانوا بحكم توسط موطنهم في العالم القديم همزة وصل بين حضارات كثيرة وقد أثبتت لنا المكتشفات الأثرية والتاريخية بأن العرب لم يكونوا دون تلك الأمم تمدناً وتحضراً أضف إلى ذلك أن العربي قد عُرف بتميزه عن غيره من الأمم برقة الإحساس وفيض المشاعر وصدق العواطف ، فهو الواقف على الديار الباكي على الأطلال والعفيف إذا أحب والموفي إذا وعد الخطيب إذا حدَّث الشاعر إذا نظم الفارس الكريم الشجاع فهو بهذا وبكثير غيره من حميد الأخلاق يكون أقرب الناس إلى المعاني الإنسانية على مدى تاريخه المجيد ؛ ... ... لذلك فأنني أرى أن غناء العرب كان مذ كانوا وتطور حيث تطوروا .. .. لأن الفرح والسرور طبيعة من طبائع النفس البشرية والتعبير عنه بالغناء طبع قد تعارف عليه كافة البشر وألفوه منذ زمن لا يعلمه إلا الله تعالى : -
قال المسعودي : (1) وكان مضر بن نزار بن معد سقط من بعير في بعض أسفاره فانكسرت يده فجعل يقول :
يا يداه ، يا يداه .
وكان مكن أحسن الناس صوتاً فأستوسقت الإبل وطاب لها السير ؛ فأتخذ العرب حداء في رجز الشعر فجعلوا كلامه أول الحداء فمن قول الحادي :
يا هاديا يا هاديا ؛ و يا يداه يا يداه .
فكان الحداء أول السماع والترجيع في العرب .، ثم اشتق الغناء من الحداء ؛
أقــول : أن شروط صحة القصيدة العربية واجتهاد الشاعر في إيجاد جرس موسيقي في شعره يدل على أن الشعر
------ لم ينظم إلا ليغنى أو أنه لم ينظم إلا بغناء ثم أتى عليه حين فغني وألقي ؛ وهذا يوجب كون الحداء مشتق من الغناء وليس كما ذكر المسعودي ؛ وأما عن قول مضر بن نزار بن معد في خبره السالف وهو ما نسب إليه من قوله :
يا هاديا .. .. يا هاديا ، و يا يداه .. .. يا يداه ؛ فالجدير ذكره هنا أن أهل الجوف والمنطقة الشمالية قاطبة لا يزالون يقولون لاستئناسهم الناقة والإبل كافة :
يا دهي يا دهي .. .. دهي يا دهي .إلا أن ذلك لا يغير في الأمر شيء لأن كونها قبل المسعودي وبقاءها بعده لا يوجب صحة الرواية .
وأما حداء المتأخرين ومن عاصرناهم مع الإبل وعلى الآبار فله أنواع وأغراض عدة فمثلاً حداءهم للإبل في سيرها ، هو نوع منه لطيف يغنى بألحان عذبة شجية تستجيب له وتنشط ويتجدد به سيرها ولا أذكر من شعر هذا النوع من الحداء إلا بيت يقول قائله :
المقفي .. وأين أنا وإياه - - - - - - المقفي .. عيا وأنا أنهاه
وأما حداءهم على الآبار فهو نوعان ، شعر حداء وشعر رجز ؛ فأما شعر الحداء فيغنياه متلقيا الدلو أثناء انتظارهما لها من قاع البئر إلى حين الإمساك بها ومثاله قول الحادي :
أم السنام الشايح - - - - - توايقت للمايح
تحسب ولدها طايح .
وقوله :
وردن عشاير نوره - - - - - الهجل والمصروره
وقوله :
وردن من النوازي - - - - - من مرتع الجوازي
وقوله :
خِف العصا يا ضارب - - - - عن نسَّع الغوارب
وهو يغنى بلحن غير لحن الرجز ، وأما شعر الرجز فهو يخص المرحلة التي تلي تلقيهما الدلو أي منذ أخذهما بعراقيها حتى يفرغانها في الحوض ومثاله قول الحادي :
يا ويــل اللي ما هو تيح - - - - - إن صار الماء شلافيح
وقوله :
يا سعيد العبد غَنْ - - - - - حيهن من يوم جن
حي حلوات اللبن
وقوله :
اشربي لا تافرينه - - - - - - من قليب حافرينه
وقد تعددت أغراض شعر الحداء وتنوعت حتى شملت كل أغراض الشعر المعروفة كالمدح والهجاء والحماسة والفخر والغزل والوجد ومما يحضرني منه في المدح قول الحادي :
شايباً شيبه شباب - - - - - - حامياً تال الركاب
وقوله :
وركي لأبو لبيـــد - - - - - - اللي حيله ما يـبـيــــد
ومن ذلك قوله في الغزل والوجد :
مال عيني مالـهـا ؟ - - - - زايـداً همالها
كل ما شافت مليح - - - - - - - ماتبيه إلا لها
وشاعر حداء الآبار لا يكاد يخلي شعره من الفكاهة . بالطرفة ، والنادرة ، والملاحة للترفيه عن نفسه وعن نفوس معاونيه ولتجديد هممهم وهي الغاية من الحداء كله ومن ملح حداءهم قول الحادي :
العجوز العلهبي - - - - تمشي يمي وتحبي
وأنا أقول : إهبي إهبي
وقوله شايباً بيده عمود - - - - سـنَّد الوادي ينود
ومن الحداء حداءهم للإبل وهم على ظهور الخيل والنجائب ومثاله قوله :
عليك يالشقحاء الطيوح - - - - ياللي بالريش مُدَلله
تمهـلي وارعــي هــواك - - - واللي يـجـيــك نُذَلله
وهناك منه ما يخص طلاءهم للإبل ومن ذلك قول حاديهم :
ياذلك الله ما سمعت رغاها - - - - وأنا وحيداً عندكم وأطلاها
وفي هذا الشعر طلباً واضحاً من قائله لمساعدته على طلاءه إبله ممن قد يسمع حداءه وفي هذا المعنى قال غيره في الحداء :
عاون الله من يعين - - - وتنقطع كف اللعين
ولا يقول مثل ذلك إلا من كان بحاجة للعون والمساعدة على ما هو فيه من عمل ؛ والحديث عن الحداء وما فيه من فوائد يطول ويتشعب لو أردنا الاسترسال فيه لكثرة ما يكتنزه في شعره من فوائد لغوية وأدبية وجغرافية واجتماعية
ففيه الكثير من المفردات اللغوية النادرة التي قد لا نجدها إلا في أمهات كتب اللغة وكذلك يوجد فيه من المعاني الأدبية ما يضاهي بعضها ما في الشعر الفصيح من جودة وبلاغة ؛ كما يوجد في شعر الحداء ذكر لكثير من المواضع القديمة التي تحتاج إلى البحث والتحقيق كما ورد في بعض هذه الأشعار أسماء لقبائل عربية قديمة كقريش وبني لام وبني يهرف وبني القين وجديلة وبني عاملة وجهينة وغيرها .
وما وردت أسماء هذه القبائل ولا أسماء تلك المواضع إلا لأسباب يطول الحديث عنها وليس هذا موضعها ؛ وزبدة القول أن في هذا اللون من تراثنا العريق ما يثري الباحث والدارس بكثير من العلم والمعرفة عن جوانب كثيرة من تاريخ وحياة أسلافنا .
متمنياً أن يكون بما قدمت عن هذا اللون من تراثنا ما يكون فيه النفع والفائدة للجميع .
أخوكم / سليم بن دهيِّم البقاعين .

التعديل الأخير تم بواسطة ابن البلد ; 24-10-2007 الساعة 01:46 PM
سبب آخر: تعديل يامن لك الله الى ياذلك الله ... يعني من الذل